تم يوم الجمعة 20 أكتوبر 2023، بمقر المحكمة الابتدائية بمدينة سلا، تنظيم حفل تنصيب السيد رئيس المحكمة، بعدما حظيا بالثقة المولوية لصاحب الجلالة، الملك محمد السادس حفظه الله، لتعيينه في هذا المنصب الهام.

و فيما يلي مقتطف من كلمة رئيس المحكمة الابتدائية بسلا خلال حفل التنصيب:

بسم الله الرحمان الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه.

السيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالرباط

السيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالرباط .

السيد المدير العام للمعهد العالي للقضاء

السيد عامل صاحب الجلالة على عمالة سلا .

السيد رئيس مجلس جهة الرباط سلا القنيطرة

السيد رئيس الودادية الحسنية للقضاة .

السادة المسؤولون القضائيون .

السيد نقيب هيئة المحامين بالرباط ، السادة النقباء السابقين وأعضاء مجلس الهيئة .

السيدة مديرة التكوين بالمعهد العالي للقضاء.

والسيد المدير الفرعي الإقليمي لدى محكمة الاستئناف بالرباط ، والسادة رؤساء كتابة الضبط رئاسة ونيابة عامة ،

السيد عمدة مدينة سلا ورؤساء المجالس المنتخبة ،السيد قائد الحامية العسكرية ، السيد القائد الإقليمي للدرك الملكي ، السيد رئيس الأمن الإقليمي ، السيد القائد الإقليمي للوقاية المدنية،  السيد القائد الإقليمي للقوات المساعدة ،

السيد رئيس المجلس العلمي المحلي لمدينة سلا ،

السادة مديري المؤسسات السجنية ،

زميلاتي و زملائي القضاة ،

أطر وموظفي هيئة كتابة الضبط ، السادة المحامون وممثلي جميع المهن القضائية من مفوضين قضائيين وعدول وخبراء وتراجمة  ومساعدي العدالة وهيئات المجتمع المدني  ، ممثلي وسائل الإعلام المحلية والوطنية.

أيها الحضور الكريم كل بحسب صفته والاحترام الواجب لشخصه  .

اسمحوا لي في مستهل كلمتي أن أعبر عن اعتزازي البالغ وفخري الشديد بالثقة الملكية السامية لصاحب الجلالة والمهابة الملك محمد السادس نصره الله و أيده ، والتي صادقت على مقترح المجلس الأعلى للسلطة القضائية بتعييني رئيسا للمحكمة الابتدائية بسلا ، إن تجديد الثقة المولوية في شخصي المتواضع تكليف استشعر جسامته ، و أمانة تطوق عنقي  .

أيها الحضور الكريم ، إنه لئن كان القدر قد أسبغ علي بشرف تبوأ منصب رئيس  هذه المحكمة ، وقد سبق لي أن حضيت بنفس العناية المولوية الكريمة كرئيس للمحكمة الابتدائية بالداخلة ورئيس للمحكمة الابتدائية بتزنيت ، فإن ذاك هو نفسه القدر الذي جعل من هذه المدينة العريقة ، مدينة التاريخ والثقافة والحضارة ، ومدينة الأولياء الصالحين وعاصمة الاحتفاء بذكرى المولد النبوي ( موكب الشموع ) سليلة شالة الرومانية والمعبر الحتمي للمجاهدين والفاتحين نحو الأندلس ، منارة أبي رقراق الشامخة ، والشاهدة على عصر النهضة الإسلامية في مجال الملاحة البحرية ، موطن العلماء والفقهاء من أمثال الشيخ أبي العباس أحمد بن عاشر والشيخ أحمد الناصري .

و في فقه القانون والقضاء احتضنت مدينة سلا  علماء أجلاء من بينهم  العلامة محمد بن علي الدكالي والفقيه أبو محمد عبد الله بن ياسين الأنصاري قاضي مدينتي سلا ورباط الفتح ، والقاضي أبو بكر بن محمد عواد ، والقاضي العالم سيدي عبد الله بن  خضراء  والفقيه سيدي موسى الدكالي والعلامة سيدي عبد الله بن حسون والفقيه احمد بن عبد النبي ، ومنظر المشروع الدستوري الأول في تاريخ المغرب العلامة علي زنيبر و الفقيه الأريب أبو بكر القادري ، وغيرهم من جهابذة أصول الفقه والقانون الذين كانت مدينة سلا ماهدا لبزوغهم الفكري والحقوقي .

فمن عمق هذه التوطئة التاريخية المختصرة تحاصرنا هذه المدينة بشموخها ، وتسائلنا عن أي عدالة تضاهي رونق هذا التاريخ ، و عن أي قضاء تستحقه ساكنة هذه المدينة ، أسئلة تحرك رواكد  النفوس و تزحزح سواكن النهى ، دوافع تحفزنا  لنشتغل ليل نهار بكل تضحية وتفان – نحن  كافة مكونات أسرة العدالة – من أجل تقديم منتوج قضائي يليق بتاريخ وحضارة هذه المدينة العريقة .

فالحفاظ على هذا الإرث التليد أمانة تطوقنا ، لذا فمن واجبنا الحرص على تقديم العدالة في أبهى صورها :

  • عدالة مواطنة ، تجعل من مصلحة المواطنات والمواطنين  صلب اهتماماتها وغاية مطامحها .
  • عدالة تواصلية، منفتحة على محيطها تتفاعل إيجابا مع كافة مكونات المجتمع ، وتنتهج في ذلك سياسة القرب من المواطن وتسهيل الولوج إلى العدالة .
  • عدالة رقمية معاصرة تختصر الزمن تحقيقا للنجاعة القضائية، وتساهم في ضمان الأمن الاقتصادي تشجيعا للاستثمار واستقرار المعاملات وفق ما تضمنه النموذج التنموي الجديد من توصيات بهذا الخصوص  .
  • عدالة تجعل من مفهوم “الجدية” قيمة مركزية وإطارا مرجعيا لتنزيل المخطط الاستراتيجي للسلطة القضائية ، وذلك استحضارا للخطاب الملكي السامي بمناسبة الذكرى الرابعة والعشرين لتولي جلالته عرش أسلافه الميامين .

حضرات السيدات والسادة الكرام ، إن مفهوم المسؤول القضائي عرف تطورا ملحوظا في إطار الأهداف المحددة ضمن المخطط الاستراتيجي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية ذلك أن المسؤول القضائي هو الألية المحورية لتحقيق تلك الأهداف على أرض الواقع ،واستسمح هنا للاستدلال بكلمة السيد الرئيس المنتدب للمجلس الأعلى للسلطة القضائية بمناسبة اجتماعه بالمسؤولين القضائيين عن محاكم الاستئناف – في الرباط 10 يونيو 2021 حينما قال “المسؤول القضائي لا حظ له في النجاح إذا لم يواجه الفساد بصرامة قوية وإرادة صلبة وعزم لا يلين ، فدور المسؤول القضائي الذي يعلو على كل أدواره الأخرى ، هو نشر قيم النزاهة والاستقامة وحماية استقلال القضاء وحياد القضاة وتجردهم ، ولذلك فلن يقبل من المسؤول أن يغض الطرف عما يخدش في هذه القيم و يضر بتلك المبادئ “.

وتقديرا لما يفرضه علي هذا المنصب من مسؤولية فإنني أعاهدكم ببذل المجهودات الكفيلة برفع منسوب ثقة المتقاضين في القضاء بهذه المدينة ، وسأعتمد في ذلك على برنامج يتكون من ستة محاور رئيسية :

أولا : -الاستهداء بمقتضيات مدونة الأخلاقيات القضائية باعتبارها مرجعية أساسية وخارطة طريق تلزم كافة القضاة ، إيمانا منا بأن  الأسس الأخلاقية ناظم جامع لرسالة القضاء ابتداء وانتهاء .

ثانيا : – الحرص على النجاعة القضائية ، ونلتزم بتحقيق مراتب جد متقدمة في معايير النجاعة القضائية ، مع الموازنة بين البت داخل الأجل المعقول والتقيد بالضوابط المسطرية والقواعد الجوهرية في إصدار الأحكام مع اعتماد اجتهادات محكمة النقض كمرجع أساسي لتوحيد العمل القضائي داخل المحكمة.

ثالثا : – التركيز على التطبيق العادل للقانون ، ذلك أن دور القاضي لم يعد يقتصر على تطبيق حرفية النصوص القانونية ، وإنما البحث عن العدالة من خلال استعمال النص القانوني .

رابعا : – إتمام لبنات تأسيس المحكمة الرقمية استشرافا لما يستجد من مضامين مشروعي قانون المسطرة المدنية و قانون المسطرة الجنائية و مشروع القانون المتعلق باستعمال الوسائط الالكترونية في الإجراءات القضائية .

خامسا :اعتماد المرجعية الحقوقية الدولية في تكريس المبادئ السامية للمحاكمة العادلة ، والحق في الدفاع ، وضمان الحقوق والحريات الدستورية في انسجام تام مع التزامات المملكة المغربية إزاء المنتظم الدولي ، وبهذا الصدد تعد قضايا الأمن العقاري وحماية الفئات المستضعفة و ردع الجريمة بشتى أنواعها من أولويات الخطة القضائية التي سننتهجها بإذن الله .

سادسا :– نهج سياسة تواصلية مع كافة مساعدي القضاء وفق المنهجية المحددة في التنظيم القضائي الجديد ، والانفتاح على جميع مكونات المجتمع، مع تقوية النشاط الثقافي للمحكمة بعقد ندوات علمية بشراكة مع كافة الفاعلين في الحقل القانوني .

أيها السيدات و السادة – الحضور الكريم –

إن تكليفي بمهام رئيس هذه المحكمة تنازعني فيه مشاعر الفرحة التي تخالجها الرهبة ،  ولسان حالي يقول ما قاله  الوزير الأديب  لسان الدين بن الخطيب عند حلوله بمدينة سلا  ” وترجع لدي السكون والعافية والتمتع بالبقية ، إذ جنحت إلى السكنى بمدينة سلا ،… ، يظللني المجد والكرم ، فلا أعد من عمري إلا أيام مقامي بها وسكناي فيها .”

جعل الله مقامي بهذه الأرض المباركة منبع خير و ينبوع عدالة تضاهي عراقة المدينة تاريخا و حضارة .

أيها الحضور الكريم ، أعاهدكم بأنني سأبذل الغالي والنفيس من أجل أن يحضى المواطنون بهذه المدينة بعدالة في المستوى الذي يريده القاضي الأول جلالة الملك محمد السادس نصره الله وأيده، وإنني متيقن أن جميع مكونات جهاز العدالة من قضاة و كتابة الضبط و هيئة الدفاع ، والمفوضين القضائيين والعدول والموثقين والخبراء والمحاسبين العموميين والتراجمة والسلطات العمومية والضابطة القضائية ، كل هذه المؤسسات ستأزرني بإذن الله وتمد لي يد المساعدة لأداء مهمتي في أحسن الظروف وأبهاها .

وأود بهذه المناسبة أن أثمن المجهودات المبذولة من طرف سلفي السيد الرئيس الفاضل رشيد محمود لما أبان عليه من كفاءة في الإدارة القضائية خلال مدة تحمله للمسؤولية بهذه المحكمة ، وهنيئا له بتجديد الثقة الملكية في شخصه رئيسا أولا لمحكمة الاستئناف بالجديدة .

كما أود الإشادة بالطاقم القضائي لهذه المحكمة رئاسة ونيابة عامة وكافة أطر وموظفي هيئة كتابة الضبط لما يبذلونه يوميا من مجهودات جبارة ضمانا لاستمرارية المرفق العام وجودة الخدمات القضائية.

واغتنم هذه المناسبة لأعبر للسيد وكيل الملك المحترم محمد المسعودي عن رغبتي الأكيدة في خلق جسور تعاون حقيقي وفعال بين الرئاسة والنيابة العامة داخل هذه المحكمة في جو تؤطره مبادئ وأعراف رسالة القضاء، وأؤكد لكم السيد وكيل الملك الفاضل أن رئاسة المحكمة على أتم الاستعداد لنهج سياسة تشاركية فعالة ودائمة مع مكونات النيابة العامة لإيجاد الحلول الممكنة لكافة الإشكاليات العملية المثارة إداريا وقضائيا غايتنا المشتركة تقديم منتوج قضائي رفيع المستوى، وسيكون سندنا في ذلك التوجيهات الرشيدة للسيد الرئيس الأول لمحكمة الاستئناف بالرباط والسيد الوكيل العام للملك لديها لما يتوفران عليه من تجربة قضائية وحكمة في التدبير والتسيير ، وباعتبارهما مستشاري الأخلاقيات بالدائرة الاستئنافية .

وفي الختام ، أتقدم بجزيل الشكر للحضور الكريم ، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا في مهمتنا ، ويثبت ألسنتنا حتى لا تنطق إلا بالحق ولا تقضي إلا بالعدل ، ويجعلنا دائما في خدمة الوطن والمواطن الذي يحظى بكرم العناية ووافر الرعاية وسابغ الإنعام المولوي لأمير المؤمنين القاضي الأول صاحب الجلالة والمهابة الملك محمد السادس رئيس المجلس الأعلى للسلطة القضائية حفظه الله ودام له العز والتأييد ، وأقر عينه بولي عهده الأمير المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير مولاي الحسن، وشد آزره بصنوه الرشيد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد  ، وحفظه في سائر أفراد أسرته الشريفة ، إنه سميع مجيب .

ووفقنا الله لما فيه الخير، وأختم كلمتي بقوله تعالى:

( إن يعلم الله في قلوبكم خيرا يوتكم خيرا مما أخذ منكم ويغفر لكم ، والله غفور رحيم ) صدق الله العظيم.        

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .